ستار الزعيم عضو فعال
عدد المساهمات : 65 السٌّمعَة : 8 تاريخ التسجيل : 27/02/2009 المزاج : رايق
| موضوع: المؤرخون الرواد وميلاد علم التأريخ الإثنين مايو 04, 2009 7:09 pm | |
| المؤرخون الرواد وميلاد علم التأريخ د.محمود اسماعيل من الواضح أن من أهم منجزات الصحوة البورجوازية "تصنيف العلوم وتبويبها",واستقلال بعضها عن البعض الاخر,وظهور علوم جديدة لها مباحثها ومناهجها. وعلى ذلك فليس من المستغرب أن يشهد حقل المعرفة التاريخية الظاهرة نفسها,فيظهر التاريخ كعلم مستقل بذاته عن المعارف الأخرى,ويفيد منها في الوقت عينه,ويصبح "مصطلح التاريخ"_ الذي ظهر إبان بواكير بورجوازية ما قبل الاسلام- شائعا في عصر الصحوة البورجوازية بعد غيبة طويلة إبان العصور السابقة.وتلك ملاحظة بالغة الخطورة على ارتباط العلم بالبورجوازية ,ومن ثم صدق مقولة سوسيولوجية الفكر. ونتلمس كذلك تأثيرات الصحوة في تقدير علم التاريخ- الذي كان ينظر الى مباحثه وموضوعاته قبل الصحوة نظرة استخفاف – وتبجيل المؤرخين باعتبار "بضاعتهم" "من العوامل المؤثرة في تيارات الحياة...وتؤدي دورا تربويا وسياسيا فعالا".ومعلوم أن ارتباط العلم بالحياة وتكريسه لخدمة أغراض عملية,سمة بارزة من سمات الفكر الليبر الى البورجوازي.وهذا ينفي الرأي القائل بأن "حاجة العرب الى العلم إنبثقت من الدين". وتقود حقيقة سوسيولوجية نشأة علم التاريخ الإسلامي الى مناقشة آراء الدارسين بصدد تلك النشأة.وتكاد هذه الآراء جميعا تضرب في اتجاه واحد وهو النشأة العربية المحضة,وإن أشارت بعضها الى وجود تأثيرات أجنبية طفيفة. يقول العلامة أحمد أمين "إن تأريخ حوادث الإسلام في عصوره الأولى كان إسلاميا بحتا ونتيجة تطور طبيعي من الداخل..فلم تحدث تأثيرات من اليونان أو الفرس في حياة المؤرخين الأوائل ".وفي المعنى نفسه ذكر مرجوليوث "لم تكن نشأة التاريخ الإسلامي استمرارا للتواريخ القديمة,وإنما هو نمو طبيعي جاء به الى الوجود حاجات المجتمع,وتتجلى به خصائص خاصة به".ورغم تأكيده على "حاجات المجتمع"كواقع لنشأة العلم,تجاهل تلك الحقيقة حين أبرز "المغزى الأخلاقي كهدف للمعرفة بالتاريخ آنذاك". كما وقف لاكوست على حقيقة النشأة السوسيولوجية حين رأى أن "الفكر التاريخي جاء تطورا كميا نتيجة تحول كيفي ". أما روزنتال فقد تخبطت آراؤه في هذا الصدد,فتارة يؤكد النشأة الاجتماعية الخالصة,وأخرى يبرز دورالتأثيرات الأجنبية وخاصة في الجوانب التقنية.يقول "لم يكن هناك تأثيرات فارسية أو إغريقية فيما ابتكره المسلمون من المنهج الحولي".لكنه أثبت في موضع آخر "تأثيرات الحوليات البيزنطية وخاصة ما نسب الى المؤرخ البيزنطي أيونيس ملالاس الذي ربما عرفه العرب من طريق السريان الذين اتبعوا الأسلوب الحولي نفسه,وبالذات عند يعقوب الرهاوي".وأضاف "وبالإجمال فإن قليلا من الاعتراض يمكن توجيهه الى الافتراض بأن التاريخ الحولي الإسلامي كان مدينا في بداية أيامه الى النماذج الإغريقية والسريانية,لم يكن هناك كتاب معين ألهم المؤلفين المسلمين,ولكن فكرة الترتيب على السنين جاءت الى العلماء المسلمين الأول عن طريق الاتصال بالنصارى". وواضح من نصوصه تذبذب موقفه,وافتقاره الى قرائن وبراهين تدعم مذهبه.والصواب ما ذهب اليه مرجوليوث من أن "النظام الحولي اختراع عربي قح له أصوله الثابتة في الجاهلية",كما أن "القاعدة التقنية في توثيق الأخبار المعروفة بالإسناد تقليد أخذه المؤرخون عن المحدثين".يدعم ذلك قول لاكوست أنه "لا في اليونان ولا في بيزنطة ولا في أوربا عامة في العصور الوسطى,لم يكن للتاريخ مكانة في النشاط الثقافي كتلك التي كانت عند العرب",وما وقف عليه ابن خلدون من أن الذميين الذين أسلموا "كانوا يومئذ بادية لا يعرفون إلا ما تعرفه العامة من أهل الكتاب". ونحن نرى أن الخوض في تلك المسألة غير ذات موضوع.طالما أن أهل الذمة سواء من أسلم منهم أوظل على عقائده السابقة كانوا مواطنين ورعايا في "دار الإسلام",لهم فعالياتهم الاقتصادية وحتى السياسية في كثير من الأحيان.لقد كانوا خيوطا في نسيج الواقع الاجتماعي,أثروا فيه وتأثروا به.وإذ لم يثبت الدارسون لهم دورا في نشأة علم التاريخ الإسلامي,فقد أسهموا في ميادين الفكر الأخرى إسهامات لها ثقلها,بحيث حظيت فعالياتهم في هذا الصدد باهتمام المؤرخين المسلمين.وعلى ذلك يمكن القول بوجود تأثير ضمني لتلك الطوائف على موضوع التاريخ,نفسه لأن حياتهموفعاليتهم أصبحت جزءاً من الواقع المعيش وهو مبحث التاريخ وموضوعه. وثمة مسألة أخرى جديرة باليحث تتعلق بموضوعية المؤرخين الرواد.وإذ يعتبر التصدي لها أمرا سابقا لأوانه قبل تناول أعمالهم,نكتفي بعرض بعض جوانبها التي تلقي أضواء على سوسيولوجية نشأة علم التاريخ. اختلف الدارسون – كالعادة – في تقدير موضوعية المؤرخين الرواد فيما صنفوا من تواريخ,فالبعض نعى عليهم الافتقار إليها لأسباب سياسية أو إديولوجية,وحتى الذين فطنوا لتأثيرات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في تزييف التاريخ خانهم التوفيق.بينما أكد البعض التزام المؤرخين الرواد بقدر كبير من الحياد والموضوعية والأمانة العلمية.في حين تذبذب اتجاه ثالث بين الاتجاهين السابقين. ويمثل الاتجاه الأول روزنتال وإيف لا كوست,حيث كرس روزنتال في كتابه "علم التاريخ عند المسلمين"دراسة مستفيضة عن "المؤرخين الرسميين"أو مؤرخي البلاط ذهب فيها الى إن معظم مؤرخي الإسلام ارتبطوا بالسلطات الحاكمة,نظرا لاشتغالهم بالإدارة والقضاء,أو عملهم كمؤرخي بلاط يدبجون سيراً للخلفاء أو الأمراء,وتواريخ لأسرهم الحاكمة.وحتى المؤرخون "الهواة"- كما اطلق عليهم – كانوا يمالئون السلطة حتى يكتب لمؤلفاتهم الرواج,فعول الكثيرون منهم على تقدير مؤلفاتهم للحكام ابتغاء حظوة في المال أو الجاه,وكل ذلك فت في موضوعية أعمالهم. وفي المعنى نفسه ذكر لاكوست أن نشأة التاريخ الإسلامي "كانت رسمية بتكليف من أولي الأمر ما شكل عوائق نحو التزام الموضوعية",كما أشار الى أن اتسام النشأة بطابع "القدسية" "حرم الفكر التاريخي من المنهج النقدي". هذا عن المعوقات السياسية والإديولوجية.أما المعوقات السوسيولوجية فقد نبه إليها طيب تيزيني حين ذهب الى تأثير الوضع الطبقي في انحياز المؤرخين الى انتماءاتهم ,ضاربا المثل بالبلاذري وكتابه "أنساب الأشراف".زاعما أنه تعصب فيه للأرستقراطية,والطبري في كتابه "تاريخ الرسل والملوك"الذي يعد في نظره "تاريخا للأديان".لذلك أضاف الى العامل الديني تأثير الوضع الاقتصادي في تفسير "لاموضوعية" المؤرخين الباكرين. والاتجاه الثاني القائل بموضوعية نشأة علم التاريخ الإسلامي نتلمسه في آراء مرجوليوث وعلى أدهم,فقد ذهب الأول الى "أن غالبية مؤرخي الإسلام لم يكونوا "رسميين",ففي القليل النادر ما كتب هؤلاء مصنفاتهم بأمر من السلطة – على الأقل في مرحلة النشأة – حيث لم تظهر وظيفة "مؤرخي البلاط" إلا في عصور تالية,ومن ثم "فإن المؤرخين الأوائل التزموا الدقة في تنقية الروايات ونقدها,والموضوعية فيما دونوه,لأن معظمهم كانوا في حالة رغدة من العيش كالطبري مثلا,وبعضهم خدم في الدواوين الى جانب أعمالهم الخاصة".واستشهد بموضوعية الطبري في عدم انحيازه لبني العباس رغم أنه كتب تاريخه إبان خلافتهم. وفي الاتجاه نفسه مضي على أدهم فذهب الى أن المؤرخين الأوائل,"لم يعيشوا في كنف الأمراء,ولم يكتبوا التاريخ إرضاء للخلفاء والأمراء,وإنما كتبوه بدافع من ميل الى البحث والاستقصاء". أما الاتجاه الثالث "التوفيقي"فنستدل عليه فيما ذهب إليه أحمد أمين من أن نشأة علم التاريخ ارتبطت بحكم بني العباس "الذين استخدموا التاريخ كوسيلة من وسائل الدعوة العباسية,فكان الخلفاء يشترون ذمم بعض المؤرخين بحيث حاولوا إظهار العصر العباسي بلون زاهر فاخر والعصر الأموي بلون قاتم مظلم".ويسوق أمثلة في هذا الصدد للتدليل على مذاهبه. لكنه يعود في موضع آخر فيشيد بروح التسامح العلمي التي كما أتاحت لبعض الشعراء هجو بعض الخلفاء,سمحت لمؤرخي المعارضة بالحرية في التعبير عن وجهات نظرهم. كما أشاد بالنقلة المنهجية التي تمت على يد الرواد من المؤرخين,من حيث استقاء الأخبار من مظانها,ومقارنتها ونقدها,وتوثيقها بالإسناد,وتنظيمها وسلسلتها على شكل حولي مبتكر. ونكتفي في هذا المجال بنقد الاتجاهات السابقة – في عجالة – تاركين الأدلة والقرائن تكشف عن نفسها من خلال دراسة أعمال هؤلاء المؤرخين.فروزنتال عمم أحكامه حين تصور معظم المؤرخين "رسميين",والثابت أن تلك الظاهرة لم تولد في عصر الصحوة,ولا تنطبق على الرواد المؤسسين لعلم التاريخ.وحتى أولئك الذين خدموا في الدواوين إبان الصحوة,فإن انحيازهم لفكر حكومتها "المتبرجزة" لا يعد انحيازا عن الحقيقة,بل انحياز لها,ولم نسمع عن مؤرخ "هاو"- على حد قوله – نال حظوة من السلطة في مقابل تقديم أعماله باسمها. وينسحب النقد نفسه على رأي لا كوست في هذا الصدد.أما قالته في "النشأة القدسية"لعلم التاريخ فتصبح غير ذات بال,إذا علمنا أن هذه النشاة كانت تعني انفصال المعارف التاريخية عن العلوم التي اعتبرت علوما دينية كالفقه والحديث ,بل أن هذه العلوم كرست في عصر الصحوة لخدمة أغراض دنيوية,ومعلوم أن الفكر البورجوازي – بوجه عام – فكر مادي عقلاني حياتي بالدرجة الأولى. أما انزلاق تيزيني في أحكامه على البلاذري في "أنساب الأشراف"والطبري في "تاريخ الرسل والملوك",فعذره أنه ليس مؤرخا,بل تنم ملاحظته في اعتبار الكتاب الأول تأريخا لنبلاء العرب والثاني تأريخا للأديان, عن انخداعه بعنواني الكتابين,وعدم اطلاعه عليهما ألبتة.ولو تمهل وقرأ مجرد صفحات قليلة منها قبل المجازفة بإطلاق حكمه,لأدرك أن البلاذري حمل في "أنساب الأشراف" حملة عنيفة على الأشراف,وأن تاريخ الطبري يعد أول إنجاز إسلامي لتاريخ عالمي دنيوي بشهادة كل الدارسين.وننوه – في استحياء – بأن للكتاب عنواناً آخر هو السائد والمتعارف عليه,ألا وهو "تاريخ الأمم والملوك",ومضمونه مصداق عنوانه. ولا تعليق لنا على التجاه الثاني الذي يشيد بموضوعية المؤرخين الرواد,فذلك ما نعتقد في صوابه.أما الاتجاه الثالث التوفيقي الذي تبناه أحمد أمين فنحن نوافقه في شطره الثاني الذي أبرز فيه سلامة المنهج وتطور الرؤية,وما أفرزته الصحوة من روح التسامح للأتجاهات كافة كي تعبر عن تياراتها السياسية والاجتماعية والثقافية.
| |
|
لوفي ساما عضوفضي
عدد المساهمات : 208 السٌّمعَة : -4 تاريخ التسجيل : 16/05/2009 الموقع : منتديات الحواس المزاج : زاحف
| موضوع: رد: المؤرخون الرواد وميلاد علم التأريخ الجمعة نوفمبر 13, 2009 11:42 am | |
| | |
|